ليس ما احاول الحديثعنه متعلقٌ بحب الابناء لذوي الأنفس السوية او ما يكون على غراره مما جبلت النفوس عليه من حب الأهل والاقارب، ما اقصده هو الحب خارج هذا النطاق وينطبق على ذلك حب الأزواج او الخلان او مابين الجنسين. بطبيعتنا نشعر بالإمتنان لمن احسن الينا بل ويتبادر في اذهاننا شعور بالقبول والرضا لشخصهم لذلك الإحسان، ويندرج تحت ذلك الإهتمام من سؤال او مراعاة مشاعر وحتى سؤال.
الحب ياسادة هو تراكمات لأفعال وتُولّد بداخلنا ذلك الشعور الذي يوحي بميل القلب وارتضاه لذلك الشخص، ولعل الحب من النظرة الأولى يرتسم ليس بالظاهر فقط ويتجاوز ذلك لموقف او كلمة وحتى حركة او ايماءة احدثت ذلك الإحساس بالقلب ليبدأ بالتفكير والتعلق.
فحب المرأة لزوجها ليس حقاً ولكنه يكتسب بما انزله الله من رحمة بقلوبهم بصورة اهتمام ورعاية وبذل، قد لايكون الحب نابعاً دائماً لعذوبة لسان او فيض مشاعر ولاحتى بهدايا او شهر عسل، فمؤسسة الزوجية تبنى على القليل ولا تستمر الا بالكثير فليس الحب وحده ولا الاهتمام فقط مايعمُر البيوت بل يتجاوز ذلك بكثير.
اما عن حب الخلان والاصدقاء فهو اكتساب محض، فسهولة العلاقة وتقبل الطرف الآخر على حاله والمصالح المتبادلة هي ماترسم المتوقع من كل فرد بناءً على افعاله وتقبل ردود تلك الأفعال بناءً على مايقدمه او يبذله كل جانب.
اما عن الحب المؤلم الذي يطول الحديث به وهو اكتساب لامحالة، ويتشعب الوضع به ليكون حقاً ورداً للجميل على طول البقاء والوفاء، ذلك الحب الذي اقصده هو ماحالت الظروف عن اكتماله برباط الزواج، وليس الحب التائه لقضاء عسيلة او مصلحة والاختفاء بعدها، الحب الطاهر الذي تغنى به كل المعذبون من مجنون ليلى ومن هم على شاكلته من المعذبين ممن انقطعت بهم سبل اكماله، الحب الذي يخطف الافكار ويشرد بذهنك دون ان تشعر، ذلك الشعور الذي يدفعك لتسأل عن حال من احببت وهم بخير، ان تشعر بوجعهم او حزنهم من نبرة صوتهم او صورتهم، هو مايدفعك لتبقى مستقيظاً وتهمل مادونهم لأجلهم فقط، الحب الصافي الذي يخلو من كل المصالح الا مايرتوي به القلب من حاجة لينبض، قد تعلم ان اللقاء صعب ولعله مستحيل ومع ذلك تغرس بذرة الأمل وتتعقبها في وتداريها وسط كل الظروف وتتبعها في الظلام لأنك استنرت بذلك الحب لطريق تنظرلنهايته وكل مايدفعك هو الوهج الخافت الذي ربطت به كل الآمال، الحب الذي تشرّع عقيدة لذاتك وتؤمن بأن هناك محطة وصول مخالفاً كل ماحولك من القوانين والسنن.
الحب الباقي لأجل تلك اللحظات التي استمعت لشكواهم وكنت معهم في الضراء قبل السراء، لأجل كل البذل ومع ذلك تشعر بتقصيرك مقابل الفسحة التي منحوها لك في نفوسهم، اولئك فقط من يقفز القلب طرباً ان مررت بأحرف اسمهم او مكان سكنهم، قلة من اكتب عنهم ويعجز القلم عن وصفهم وتمتلئ المجلدات لسرد عشقهم، لأجل تلك الأرواح التي يصغر كل ماتقدمه لتقايضه ولو بشيئٍ يسير لترسم ابتسامة او تدخل فرحة لقلوبهم، هم الذين تتغاضى وتعذر غيابهم وانشغالهم وتستمع لعتابهم ولومهم وتسند ذلك لظروف كدرت عليهم او موقف كتموه وانفجروا بحضرتك لأنهم شعروا بالأمان وان القيود بوجودك تُزال فينفضوا مابصدورهم، لأجل السنين وما اخذته من ارواحنا ويقابل ذلك ما قدموه لنا من اوقات وجهد ونصح خالطوه بالمواساة لمصابنا و الدعاء ليتحقق كل ما اردنا، لأجل تلك الدموع التي انسكبت حزناً لتعبك والأذهان التي ارهقت وهي مشغولة بالتفكير بحالك، قد نصبوا انفسهم بنا وكأن ما سنناله من فضول الدنيا لهم به اوفر النصيب فيشاطرونك الفرح والحزن والإبتسامة والفرح، التقاء افئدة قبل اجساد ودوام ذكرى بعد كل اتصال او لقاء.
هؤلاء فقط من يحرم فراقهم وتبدل قوانين الكون بين ايديهم لأختلاف مابهم، حبهم مكتسب وطال به الجهد والوقت وبلغ من الكمال ابلغه، لما به من الوفاء وعدد السنين، حب صدقت افئدتهم فبذلت وارتضت، الحب الذي ستنادي الأرواح لبقائه وتهتف بفتح الاقفال التي ستنصبها مقابل الطرق التي توصل لهم ولن تهنئ نفسك لو حاولت الاختفاء، هو عقد غير مكتوب قد ذيّل بالبقاء دون نهاية الا بإنقطاع الانفاس.